الفصل الثاني : نقطة بدء هداية المهدي وبداية الإصلاح الباطني له

بسم الله الرحمن الرحيم


الفصل الثاني 


نقطة بدء هداية المهدي وبداية الإصلاح الباطني له

 

 


المهدي يبدأ سَيره في طريق الهداية والإصلاح مع جماعة الدعوة والتبليغ ويخرج في سبيل الله عدة مرات ويتعلم من هذه الجماعة فكر الدعوة إلى الله فلا يكفي أن يكون المسلم مهتدياً إلى الله وصالحاً في نفسه بل لا بُدَّ أن يكون هادياً ومصلحاً لغيره من الناس بإذن الله وتوفيقه له 




المهدي يتجرَّع مرارة الظلم والقهر والذل والهوان في وظيفته

 وعمله ومهنته وسط الجيش ثم الشرطة ثم يدعو لإقامة الخلافة مع

 حزب التحرير فتعتقله المخابرات وتسَرِّحه من الخدمة العسكرية ثم

 تلاحقه في رزقه وأمنه أينما اتجه ويعيش فقيراً مُعدَماً لا يجد قوت

 يومه ولا ما يُعيل به أسرته الخاصة به بعد زواجه وإنجابه إبن

 وثلاث بنات ويبحث عن عمل دائم حلال فلا يجد إلا قليلاً مما لا

 يُسمن ولا يُغني من جوع ويضطر لبيع أغراض من بيته الخاص به

 وبعض ملابسه بأثمانٍ زهيدة للإنفاق على زوجته وعياله وفي

 نفس الوقت كان دائم التنقل والترحال من بيتٍ إلى بيت ومن مكانٍ

 إلى مكان هرَباً من المُلاحَقات الأمنية مواصلاً دعوته بقوة إلى

 الخلافة الإسلامية مع حزب التحرير .

      وقد تفوَّق على أقرانه في إخلاصه الخالص لله تعالى في دعوته

 لإقامة الخلافة الإسلامية مع حزب التحرير بشهادة المسؤولين عنه

 في الحزب آنذاك فكان لا يدَع مسجداً يعرفه أو يصل إليه حتى

 يتحدَّث فيه بقوة مذكراً الناس بوجوب العمل لإقامة الخلافة

 الإسلامية وعدم التخاذل والقعود عن نصرة دين الله وإقامة حكمه

 في الأرض وإعلاء كلمته ورفع رايته خفاقة في العالمين وكان

 يوزع منشورات الحزب على الناس في الأسواق العامة ليلاً ونهاراً

 ويُلصق الملصَقات الحزبية على الأعمدة والجدران حتى ضاقت

 المخابرات والأجهزة الأمنية به ذرعاً وقد استفزهم بأعماله الدعوية

 هذه فبحثوا وتحَرّوا عنه حتى عرفوا مكانه فجاؤوا ليعتقلوه بعد

 منتصَف الليل من بيته فاقتحموه عليه وكتموا أنفاسه وروَّعوا

 زوجته وهي حامل وكادوا أن يدوسوا إبنه الصغير النائم بأقدامهم

 لولا عناية الله ورحمته وقد بَعثروا كتبه وأوراقه وصادروها

 وفتشوا كل مكان في المنزل ثم اقتادوه مكبَّلاً بالحديد حاملاً كتبه

 وأوراقه إلى مقر جهاز المخابرات وهناك أهانوه وأذلوه وحققوا

 معه سبعة أيام تحت الضغط النفسي والضرب أحياناً ثم جرى

 تحويله إلى محكمة عسكرية وهو مدني ليُحكم عليه بالحبس لمدة

 ثلاث سنوات ثم جرى تخفيف الحُكم إلى سنة واحدة لكونه يُحاكم

 لأول مرة ثم ألقوا به في السجن ليتقلب بين السجناء ما بين المجرم

 الخطير والبريء المظلوم مثله وقد ابتلاه الله تعالى بالمرض الشديد

 في السجن ثم مَنَّ عليه بالشفاء سبحانه




 ويخرج المهدي من السجن ليجد حزبه قد انشق على نفسه فيواصل

 دعوته إلى إقامة الخلافة مع أحد الشقين اللذَين كانا يحملان نفس

 إسم الحزب وعادت المخابرات والأجهزة الأمنية لسابق عهدها معه

 بمُلاحقته في رزقه وأمنه فكان يرضى بالقليل من المال لتدبير أمور

 المعيشة والإنفاق على عياله مُواصلاً التنقل والترحال هرَباً من

 المُلاحَقات الأمنية ومع مرور الوقت لاحظ أن جذوة الحزب انطفأت

 في نفوس أتباعه أي الحزب لا سيَّما في الشق الذي كان يعمل معه

 وقد حصل ترك جماعي لعدد كبير منهم مما استدعى المهدي الذهاب

 إليهم في بيوتهم للوقوف على حقيقة ما يجري فاستمع إليهم واقتنع

 بالكثير مما لديهم مما أدَّى به في نهاية المطاف إلى ترك الحزب

 نهائياً



وفي تلك الأثناء كان أهله وذوُوه قد اشتروا منزلاً جديداً واسعاً في

أحد أحياء العاصمة وطلبوا منه أن يلتحق بهم مع زوجته وأولاده

 ليَسكن في بيت مستقل عندهم في منزلهم الجديد وحصل ذلك بالفعل

 إلا أن المخابرات سرعان ما عرفوا مكانه ورغم أنه كان قد ترك

 الحزب وكانت المخابرات تعلم بذلك حيث عرف ذلك منهم لاحقاً إلا

 أنهم جاؤوا بعد منتصف الليل ومعهم عدد كبير جداً من الشرطة

 وقوات خاصة ملثمين ومدججين بالسلاح وحاصَروا منزل أهله

 وذويه وطلبوا منهم تسليم إبنهم أي المهدي لهم ثم اقتحموا عليهم

 منزلهم وفتشوه بحثاً عنه حتى دلّوهم عليه وقد روَّعوا أهالي الحَي

 بالكامل وليس أهله وزوجته وأولاده فحسب ثم أخرجوه بالقوة من

 بين الجميع مكبَّلاً بالحديد لتخرج أمه خارج المنزل وقد رق قلبها

 لحال إبنها وأشفقت عليه وهي تدعو عليهم بصوت مرتفع فضيَّقوا

 خناقه وشدّوا وثاقه ثم اقتادوه إلى مقر جهاز المخابرات وهو مُغمَّى

 العينين ليتوَلى أحدهم ضربه بشدة ثم حققوا معه لمدة أسبوعَين

 تحت الضغط النفسي متهمين إياه بأشياء لم يفعلها وأعمال لم يَقم

 بها وحاولوا الإيقاع به من خلال إغرائه بالمال ليعمل معهم

 جاسوساً على الحزب ولمّا لم يصِلوا معه إلى نتيجة أرادوا تحويله

 إلى المحكمة ولكنّ الله سَلّم إذ أطلقوا سَراحه وكان هذا آخر عهده

 بهم إلى يومنا هذا إلا من بعض المُنغصات أحياناً ، ثم يدخل المهدي

 في عزلة عن الناس ليُراجع مع نفسه شريط حياته الماضية

 والأحداث التي حصلت معه ليُقرّر بعدها العودة إلى كتاب ربه وسُنة

 نبيّه لينهل منهما الحلول له ولأمّته وللناس أجمعين وبالفعل وجد

 المهدي الحل بتوفيق الله وحده له وقد أخلص نيَّته لله وكان صادقاً

 في بحثه عن الحق واهتدى فزاده الله هُدى وآتاه تقواه وكانت

 خلاصة هذا البحث الجادّ هو أنه لا يُصلِح المسلمين خاصة والناس

 أجمعين على وجه العُموم في هذا الزمان الذي نعيشه الآن إلا

 الدعوة إلى الله التي جاء بها جميع الأنبياء والمرسَلين وهي تقوم

 على ثلاثة أركان أُولاها : عبادة الله وحده لا شريك له وثانيها :

 اليقين على الله تعالى وثالثها : الزهد في الحياة الدنيا ، وأنه لا بُدَّ

 لهذه الأركان الثلاثة جميعها أن تتجسَّد في شخص ينجح في تطبيقها

 على نفسه بالكامل في حياته كلها بتأييد وتوفيق ورعاية الله تعالى

 له فإن صَدَق اللهَ صَدَقه اللهُ وبعثه مُجدِّداً للدين في هذا الزمان

 وجعله إماماً للناس وهادياً لهم بإذنه ، وما أن أنهى المهدي بحثه

 هذا وخرَج من عزلته حتى وجد نفسه مفلساً تماماً أي بلا درهم أو

 دينار ينفقه على نفسه وعياله وأصبح في حالة إعسار شديد

 فاضطرّه ذلك لاستدانة بعض المال من بعض إخوته وكذلك من

 بعض إخوة زوجته وأراد أن يشتغل في التجارة بما لدَيه من مال

 فنزل إلى السوق لكنه سُرعان ما وقع بيَد أحد النصابين ليخسر

 جميع ماله فيعود يجرّ أذيال الخيبة وقد أثقلت كاهله الديون واضطرّ

 لبيع أغراض من بيته وبعض ملابسه بأثمانٍ زهيدة للإنفاق على

 زوجته وعياله ثم خرَج للبحث عن عمل فاشتغل في مجال النظافة

 لبعض الوقت وبائعاً متجوِّلاً لبعض الوقت وفي مجال حراسة

 المصانع والشركات لبعض الوقت لكنّ العمل في هذه المجالات كان

 بأجورٍ زهيدة جداً تكاد لا تسمِن ولا تغني من جوع مما أبقاه في

 حالة إعسار شديد وضنك العَيش وهموم في طلب الرزق لا تنفك

 عنه وقد بدا له أن أهل زوجته ضاقوا به ذرعاً بسبب فقره المدقع

 وحالته المعيشية المستعصية على الحل وقد أوصلوا إليه كلاماً مع

 زوجته مفاده أنهم يريدون تطليقها منه عن طريق المحكمة إذا لم

 يُحسِّن وضعه المادي وأحواله المعيشية خلال شهرَين فأوجَس

 المهدي منهم خيفة وتحقق من موقف زوجته فوجد أنها تميل إلى

 موقف أهلها منه فأرسل إلى كبيرهم واتفق معه أن يَتمّ الطلاق في

 المحكمة بالتفاهم والتراضي فيما بينهم على بقاء الأولاد في حضانة

 أمهم مع تمكين المهدي من التواصل مع أولاده متى يشاء

 والإشراف على تربيتهم دون الحاجة للرجوع للمحكمة بشأن الأولاد

 وتعاهد معهم على ذلك وبالفعل تم الطلاق على ما اتفقوا وتعاهدوا

 عليه وسكنت الأم مع أولادها الأربعة في بيت قريب من أهلها الذين

 صاروا يراوغون ويماطلون قبل تمكينه من رؤية أولاده فأحَسّ

 منهم الغدر وأنهم سوف يَنكثون بعهدهم معه وهذا ما حصل بالفعل

 إذ جاءته أوراق من المحكمة تطلب منه الحضور إليها في الموعد

 المُحدَّد للفصل والبت في موضوع الأولاد مما أغضب المهدي غضباً

 شديداً وذهب إلى بيت أهل طليقته مذكراً إياهم بالعهد الذي أبرموه

 معه لكنهم ردّوا عليه وقد أخذتهم العزة بالإثم قائلين له : ليس بيننا

 وبينك غير المحكمة فأعرض عنهم وعَنَّفهم وقال لهم قولاً بليغا ثم

 ترَكهم ورجع إلى أهله فوجدهم غاضبين منه أشدّ الغضب فأحَسّ

 منهم الخذلان لكنه تحدَّث معهم برفقٍ وهدوء وطلب منهم أن يقفوا

 معه في محنته لكنهم صَدّوه وعَنّفوه ولسان حالهم يقول : "اذهب

 أنت وربك فقاتلا إنَّا ها هنا قاعدون" وهذا ما حصل بالفعل إذ رجع

 المهدي إلى بيته وأغلق عليه بابه وكان مكتئباً حزيناً وأصبح فؤاده

 فارغاً وضاقت عليه الأرض بما رحبت وضاقت عليه نفسه وظن أن

 لا ملجأ من الله إلا إليه ورفع يدَيه إلى السماء ودعا ربه واستغاث

 به وتضرَّع إليه وقد تأسَّف على أولاده طويلاً شاكياً بَثه وحزنه إلى

 الله وكان كظيم ، ثم لم يلبث أن اتصل بصديقٍ قديمٍ له يَسكن في

 إحدى ضواحي العاصمة وطلب منه أن يبحث له عن بيتٍ يستأجره

 فأخبره صديقه على الفور أن لدى أهله بيت فارغ للإيجار ليخبره

 المهدي أنه قادم لاستئجار هذا البيت والعيش في ذلك المكان

 ويتفقان على ذلك وفي نفس اليوم يحمل المهدي أغراضه

 الشخصية وفراش لينام عليه وكتبه التي لا يَستغني عن حملها معه

 أينما ذهب ليُفارق أهله وأحبابه بعد أن فوَّض أمره إلى الله بشأن

 أولاده الأربعة واستودَعهم الله الذي لا تضيع ودائعه عسى الله أن

 يأتيَه بهم جميعاً والله خيرٌ حافظاً وهو أرحَم الراحِمين


وبالفعل وصل المهدي إلى مكان صديقه القديم واستأجر البيت الذي

 أخبره عنه عند أهل صديقه وقد رحَّب به الجميع واستأنسوا به

 وأكرموا ضيافته وكانوا أناساً طيِّبين وليبدأ المهدي بذلك خوض

 غمار مرحلة جديدة من حياته وهو يقف على أبواب الأربعين من

عمره مما سوف نستعرضه معكم بإسهابٍ وتفصيل في الفصل الثالث

 من سيرة وحياة المهدي الحقيقي بإذن الله 



 وآخر دعوانا أنِ الحَمد لله رب العالمين



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق